حلب بين معبرين..

حلب بين معبرين..

«نفيت عنك العلا والظرف والأدبا وإن خلقت لها إن لم تزر حلبا»

ستصيبك الصدمة وأنت تتجول في حلب بعد أكثر من عامين على انطلاق الثورة السورية, غربية وشرقية - محتل ومحرر, حلب مقسومة إلى نصفين جغرافياً، نصف مدمر بالكامل أو يكاد والنصف الآخر تبدو فيه الحياة شبه طبيعية أو تكاد .. لكنها مقسّمة وممزقة اجتماعياً إلى أكثر من قسم .. أكثر من وجع!

كحال بقية المدن السورية هناك طيف مع الثورة ومنخرط فيها بشكل مباشر وهناك أناس مع النظام ولا يريدون التغيير ليس حباً بالنظام وإنما لأنهم وجدوا صيغة ما للعيش في ظل نظام قمعي يحافظ لهم على مصالحهم الاقتصادية..

القسم الأكبر هم ممن لم ينخرطوا بالثورة ولكنهم أيضاً ضد النظام ولم يجدوا في كل هياكل وأجسام الثورة السياسية والعسكرية بديلاً قادراً على تحقيق الاستقرار وتلبية احتياجات الناس اليومية.

منذ أسبوعين تقريباً قام النظام بإغلاق طريق دمشق وهو المنفذ الوحيد للمناطق الغربية الخاضعة لسيطرته وبعد أقل من ٢٤ ساعة تضاعفت أسعار المواد الغذائية في تلك الأحياء وحدثت أزمة خانقة وتزامن إغلاق المعبر الوحيد عند كراج الحجز في بستان القصر من قبل الجيش الحر (معبر للمشاة يفصل بين الغربية والشرقية وهو تحت مرمى قناصة النظام) مع إغلاق طريق دمشق من قبل النظام ليشتد الحصار أكثر على أهالي حلب المحتلة أو الغربية ..لا فرق.

شباب الثورة وتنسيقياتها لم يستطيعوا الوقوف مكتوفي الأيدي والتفرج على عناصر الجيش الحر وهم يمنعون السكان من اجتياز المعبر مع حاجياتهم وطعام أطفالهم وقاموا بالتظاهر من أجل السماح بإخراج المواد الغذائية وبعد عدة إشكالات تم تنفيذ مطالب شباب الثورة وفتح المعبر في حين لم نشاهد أي مظهر احتجاجي في الطرف المقابل من المدينة.

ظاهرة غريبة لا يوجد لها تفسير, حواجز النظام وشبيحته منتشرة بكثرة في الأحياء الغربية وهذا يفسر الهدوء هناك وعدم خروج أي مظاهرة لكن ما الذي يمنع سكان تلك الأهالي من الاحتجاج ولو بالحد الأدنى من أجل مطالب هي بالحد الأدنى «لقمة الخبز مثلاً», ربما لو قاموا بأي نشاط احتجاجي كاعتصام صامت أمام أي دائرة حكومية أو أنهم شكلوا وفد من وجهاء تلك الأحياء وذهبوا مجتمعين لمقابلة المحافظ لساهم هذا الاحتجاج في التخفيف من الحصار وخصوصاً إذا ما علمنا أن جشع التجار ساهم بشكل كبير في تفاقم الأزمة, لكنهم اكتفوا بلعن الظلام وتحميل كل الأطراف مسؤولية الحصار !

من السذاجة الاعتقاد أن كل أهالي تلك الأحياء هم موالون للنظام كما يقول بعض الثوار وخصوصا من كتائب الجيش الحر, هناك آلاف النازحين موجودين في الأحياء الغربية معظمهم ذهب بعد اشتداد القصف على الأحياء الشرقية ليجد هناك كل الرعاية والاهتمام, وهناك أيضاً جهود جبارة في المجال الإغاثي والإنساني تقوم به عدة جمعيات ومجموعات يأتون بشكل يومي إلى الأحياء الشرقية مخاطرين بحياتهم من أجل أن يقوموا بإيصال الغذاء لمستحقيه.

الآن فتحت كل المعابر تقريباً ليفتح معها باب النقاش مجدداً حول صراعات طبقية واجتماعية قديمة, تجددت بالثورة بطريقة مؤلمة وإقصائية بين الأحياء الثرية والأحياء الفقيرة - بين أبناء الريف والمدينة, أسئلة يبدو أن كلفة الإجابة عليها ستكون باهظة الثمن.

حلب بين معبرين..

حلب بين معبرين..

حلب بين معبرين..

روابط مفيدة