العالم العربي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

دولة المرابطين

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل

 دولة المرابطين Empty دولة المرابطين

مُساهمة من طرف مهندس ميلا السبت 30 أبريل 2016, 19:59

 دولة المرابطين


 دولة المرابطين PIC-114-1352972416


ماذا تعني كلمة المرابطين؟ وما أصلهم؟

تعني القيام باتخاذ خيامًا على ثغور المسلمين لحمايتها والدفاع عنها، ومن هنا أطلق عليهم اسم المرابطين. ويُنسب المرابطون إلى قبيلة جدالة بموريتانيا.

كيف تحولوا من قمة الفساد إلى هذا الصلاح؟ وكيف بلغت هذه القوة؟

كانت أوضاع جدالة في منتهى الفساد والانحلال، ففكر قائدهم يحيى بن إبراهيم: ماذا يفعل ليصلح أحوال قبيلته؟ فاستدعى رجلاً يدعى عبد الله بن ياسين؛ لكي يعظ هؤلاء الناس، وتنشأ دولة المرابطين من هذه الدعوة.

وبعد وفاة عبد الله بن ياسين في سنة 451 هـ/ 1059م، يتولى أبو بكر بن عمر اللمتوني زعامة المرابطين بعد أن كان قد انضم هو وقبيلته إلى المرابطين، ويزداد أعداد المرابطين في عهده، وتتوسع الدولة، وينيب عنه ابن عمه يوسف بن تاشفين زعيمًا على المرابطين، ويذهب لنشر الإسلام في السنغال وغيرها من بقاع إفريقيا.

أما يوسف بن تاشفين فلقد حارب حاييم بنمنّ الله، وحارب صالح بن طريف؛ لأنهم ادَّعوا النبوة، وبدأ ينشر الإسلام، حتى عاد أبو بكر بن عمر اللمتوني، فلما وجد يوسف بن تاشفين وقد نشر الإسلام وحارب أعداء الدين؛ فتنازل له عن الحكم، وذهب إلى إفريقيا لنشر الإسلام، وقبل وفاته كانت دولة المرابطين تسيطر على ثلث إفريقيا.

المرابطون بالأندلس:

في سنة 478هـ/ 1085م يعبر يوسف بن تاشفين إلى الأندلس، ويتحد مع الأندلسيين، ويهزم ألفونسو السادس في موقعة "الزَّلاَّقة" من أشهر مواقع التاريخ الإسلامي، ويوحد المغرب والأندلس تحت راية واحدة، وبعد وفاة يوسف بن تاشفين حرر المسلمون الكثير من الأراضي الإسلامية المحتلة.

ولكن هل تنتهي دولة المرابطين؟

نعم، كان لا بد من نهاية لهذه الدولة، ويعود السبب في ذلك إلى الفتنة بالدنيا والأموال، وانشغال المرابطين بالأمور الخارجية عن الأمور الداخلية، وكثرة الذنوب سواء في بلاد المغرب أو في الأندلس، وتعمق العلماء في الفروع دون الأصول.

ومن العوامل المسئولة عن الانهيار أيضًا حدوث أزمة اقتصادية في آخر عهد المرابطين؛ بسبب البعد عن الطريق الصحيح.

مَنْ هُم المُرَابِطُون؟

قبيلة جُدَالة وأصل المرابطين:

كان التاريخ هو سنة 478هـ= 1085م، حيث سقطت طُلَيْطِلَة، وحوصرت إِشْبِيلِيّة، وعُقد مؤتمر القمة، ومن هذا التاريخ نعود إلى الوراء ثمانية وثلاثين عامًا، وبالتحديد في 440هـ= 1048م حيث أحداث "بربشتر" و"بلنسية" السابقة، لنكون مع بداية تاريخ المرابطين.

وكما غوّرنا في أعماق التاريخ، نعود ونغوّر في أعماق صحراء موريتانيا البلد الإسلامي الكبير، وبالتحديد في الجنوب القاحل، حيث الصحراء الممتدة، والجدب المقفر، والحرّ الشديد، وحيث أناس لا يتقنون الزراعة، ويعيشون على البداوة.

في هذه المناطق كانت تعيش قبائل البربر، ومن قبائل البربر الكبيرة كانت قبيلة "صنهاجة"، وكانت قبيلتي "جُدَالَة ولَمْتُونة" أكبر فرعين في "صنهاجة"...

كانت "جُدَالة" تقطن جنوب موريتانيا، وكانت قد دخلت في الإسلام منذ قرون، وكان على رأس جدالة رئيسهم يحيى بن إبراهيم الجدالي، وكان لهذا الرجل فطرة سوّية وأخلاق حَسَنة.

نظر يحيى بن إبراهيم في قبيلته فوجد أمورًا عجيبة -كان ذلك متزامنًا مع مأساة بربشتر وبلنسية-، وجد الناس وقد أدمنوا الخمور، وألِفوا الزنى، حتى إن الرجل ليزني بحليلة جاره، ولا يعترض جاره، تمامًا كما قال - سبحانه وتعالى - في كتابه الكريم: (وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ المُنْكَرَ) [العنكبوت: 29].

ولماذا يعترض الجار وهو يفعل نفس الشيء مع جاره؟!.

فقد فشى الزنى بشكل مريع في جنوب موريتانيا في ذلك الزمن، وكثر الزواج من أكثر من أربعة، والناس ما زالوا مسلمين، ولا ينكر عليهم أحد ما يفعلونه، فالسلب والنهب هو العرف السائد، القبائل مشتتة ومفرقة، القبيلة القوية تأكل الضعيفة، والوضع شديد الشبه بما يحدث في دويلات الطوائف، بل هو أشدّ وأخزى.

"وكان المغرب الأقصى في ذلك الوقت في محنة سياسية ودينية، حيث ظهرت دعوات منحرفة عن الإسلام وحقيقته وجوهره الأصيل، واستطاعت بعض الدعوات الكفرية أن تشكل كيانًا سياسيًا تحتمي به"... [د. الصلابي - الجوهر الثمين بمعرفة دولة المرابطين].

لقد كانت هذه الأوضاع سواء في بلاد الأندلس أو في موريتانيا أشد وطأةً مما نحن عليه الآن، فلننظر كيف يكون القيام، ولنتدبّر تلك الخطوات المنظّمة، والتي سار أصحابها وفق منهج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بناء الدولة وإصلاح أحوال الأمة...

يحيى بن إبراهيم يحمل هم المسلمين.

كان يحيى بن إبراهيم الجُدالي صاحب الفطرة النقيّة يعلم أن كلّ ما يفعله قومه من المنكرات، لكنه لم يكن بمقدوره التغيير؛ فالشعب كله في ضلال وعمى، وبعيد كل البعد عن الدين، كما أن الرجل نفسه لا يملك من العلم ما يستطيع به أن يغيّر الناس.

وبعد حيْرة وتفكّر هداه ربُّه لأن يذهب إلى الحج، ثم وهو في طريق عودته يُعرّج على حاضرة الإسلام في المنطقة وهي مدينة القيروان -في تونس الآن-، فيكلّم علماءَها المشهورين بالعلم لعلّ واحدًا منهم أن يأتي معه فيُعلّم قبيلته الإسلام.

وبالفعل ذهب إلى الحج وفي طريق عودته ذهب إلى القيروان، وقابل هناك أبا عمران موسى بن عيسى الفاسي (368 - 430 هـ= 979 - 1039 م)، وهو شيخ المالكية في مدينة القيروان -كان المذهب المالكي هو المنتشر في كل بلاد الشمال الإفريقي وإلى عصرنا الحاضر، كما كان هو المذهب السائد في بلاد الأندلس-، قال عنه الحميدي صاحب جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس - (جـ 1 / صـ 121) موسى بن عيسى بن أبي حاج واسم أبي حاج: يحج أبو عمران الفاسي، فقيه القيروان، إمام في وقته دخل الأندلس وله رحلة إلى المشرق، وصل فيها إلى العراق، فمن مشايخه بالأندلس أبو الفضل أحمد بن قاس بن عبد الرحمن صاحب قاسم بن أصبغ، وأبو زيد عبد الرحمن بن يحيى العطار، وأبو عثمان سعيد بن نصر، وسمع بالقيروان من أبي الحسن علي بن محمد بن خلف القابسي وغيره، وبمصر من أبي الحسين عبد الكريم بن أحمد ابن أبي جدار وغيره، وبمكة من أبي القاسم عبيد الله بن محمد بن أحمد السفطي وغيره، والعراق من أبي الفضل عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري وغيره؛ وكان مكثراً عالماً...

وقال عنه الحِميري صاحب الروض المعطار في خبر الأقطار - (جـ 1 / ص 435): الفقيه الإمام المشهور بالعلْم والصلاح...

وقال عنه ابن فرحون صاحب الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب - (جـ 1 / ص 172) قال حاتم بن محمد: كان أبو عمران من أحفظ الناس وأعلمهم، جمع حفظ المذهب المالكي إلى حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومعرفة معانية، وكان يقرأ القرآن بالسبع ويجوده، مع معرفته بالرجال، وجرحهم، وتعديلهم.

أخذ عنه الناس من أقطار المغرب والأندلس، واستجازه من لم يلقه، وله كتاب التعليق على المدونة؛ كتاب جليل لم يكمل، وغير ذلك، وخرج من عوالي إلى حديث نحو مائة ورقة.

قال حاتم: ولم ألق أحداً أوسع علماً منه، ولا أكثر رواية.... هـ.

فلما التقى به يحيى بن إبراهيم الجدالي حكى له قصته، وسأله عن الدواء، فما كان من أبي عمران الفاسي إلا أن أرسل معه شيخًا جليلًا يعلّم النّاس أمور دينهم.

ترى من هو هذا الشيخ؟!

كان عبد الله بن ياسين -الزعيم الأول للمرابطين، وجامع شملهم، وصاحب الدعوة الإصلاحية فيهم. ت451هـ= 1059م- من شيوخ المالكية الكبار، له طلاب علم كثيرون في أرض المغرب والجزائر وتونس، كانوا يأتون إليه ويستمعون منه، وكان يعيش في حاضرة من حواضر الإسلام على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وها هو يقبل القيام بهذه المهمة الكبيرة، وفضّل أن يُغوّر في الصحراء، ويترك كل ما هو فيه؛ ليعلّم الناس الإسلام، ويقوم بمهمة الأنبياء والرسل، وهي الدعوة إلى الله - سبحانه وتعالى -.

لم يكن عبد الله بن ياسين فقيهًا فحسب، وإنما استوعب العلوم والمناهج التي كانت في زمانه من أصول وفقه وحديث ولغة وغير ذلك، وعاش تجارب كثيرة، وأحاط بالكثير من مجريات الأمور التي تدور حوله، إضافة إلى ذلك اتصف ابنُ ياسين - رحمه الله - بالكثير من الصفات الأخلاقية والقيادية، منها ما كان فطريًا، ومنها ما اكتسبه بمجاهدته لنفسه، وطول عبادته لربه، وهذه الأمور مجتمعةً جعلته أهلًا لأن يحمل هذه الأمانة العظيمة، وجعلته حريًا أن يختاره شيوخه للقيام بهذه المهمة العظيمة في ذلك الوقت العصيب من تاريخ تلك المنطقة، لتصبح بعد سنواتٍ قليلة منبعَ الخير للأمة كلها، ومحضنَ المجاهدين، وقبلة الراغبين في الجنة...

ومن أهمّ ما يميّز الشيخ أيضًا فهمه للواقع، وأخذه بفقه الأولويات، ومعرفة هدفه والعمل له بجدٍ واجتهادٍ، وهمةٍ عاليةٍ، وعزيمة صادقة، دون الصدام مع من يريدون لدعوته الفناء؛ حرصًا على مصالح شخصية، ومنافع دنيوية، وأهداف دنيئة...

عبد الله بن ياسين ومهمة الأنبياء

اتّجه الشيخ عبد الله بن ياسين صَوْب الصحراء الكبرى، مخترقًا جنوب الجزائر وشمال موريتانيا حتى وصل إلى الجنوب منها، حيث قبيلة جُدَالة، وحيث الأرض المجدِبة والحرّ الشديد، وفي أناةٍ شديدة، وبعد ما هالَه أمر الناس في ارتكاب المنكرات أمام بعضهم البعض، ولا ينكر عليهم منكر، بدأ يعلم الناس، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر.

كان الناس في جهل مطبق، وبعدٍ تام عن الإسلام قال القاضي عياض في ترتيب المدارك وتقريب المسالك - (جـ 2 / ص 64) -واصفًا حال هؤلاء القوم في ذلك الوقت-: كان الدين عندهم قليلاً، وأكثرهم جاهلية، ليس عند أكثرهم غير الشهادتين، ولا يعرف من وظائف الإسلام سواهما...

ولكن - وللأسف - ثار عليه أصحاب المصالح، بل وثار عليه الشعب أيضًا، فالكل يريد أن يعيش في شهواته وملذاته ودون قيد أو شرط، وأصحاب المصالح هم أكبر مستفيد مما يحدث، فبدأ الناس يجادلونه ويصدّونه عما يفعل، ولم يستطع يحيى بن إبراهيم الجُدالي زعيم القبيلة أن يحميه، وذلك لأن الشعب كان لا يعرف الفضيلة، وفي ذات الوقت كان رافضًا للتغيير، ولو أصر يحيى بن إبراهيم الجُدالي على موقفه هذا لخلعه الشعب ولخلعته القبيلة.

لم يقنط الشيخ عبد الله بن ياسين، وحاول المرة تلو المرة، فبدأ الناس يهددونه بالضرب، وحين استمرّ على موقفه من تعليمهم الخير، وهدايتهم إلى طريق رب العالمين، قاموا بضربه ثم هددوه بالطرد من البلاد أو القتل.

لم يزدد موقف الشيخ إلا صلابة، ومرّت الأيام وهو يدعو ويدعو حتى قاموا بالفعل بطرده من البلاد، ولسان حالهم: دعك عنا، اتركنا وشأننا، ارجع إلى قومك فعلمهم بدلًا منا، دع هذه البلاد تعيش كما تعيش فليس هذا من شأنك، وكأني أراه رأي العين وهو يقف خارج حدود القبيلة وبعد أن طرده الناس، تنحدر دموعه على خدّه، ويقول مشفقًا على قومه: (يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ) [يس: 26].

يريد أن يغيّر ولا يستطيع، أنْفس تتفلت منه إلى طريق الغواية، والانحراف عن النّهج القويم، ولا سبيل إلى تقويمها، حزّ في نفسه أن يولد الناس في هذه البلاد فلا يجدون من يعلمهم ويرشدهم، فأراد أن يبقى ولكن كيف يبقى؟ أيدخل جُدالة من جديد؟ لكنهم سيقتلونه، ولو كان في ذلك صلاحًا لهم فأهلا بالموت، لكن هيهات ثم هيهات...

عبد الله بن ياسين ونواة دولة المرابطين

جلس - رحمه الله - يفكر ويفكر، ثم هداه ربه - سبحانه وتعالى -، فما كان منه إلا أن تعمّق في الصحراء ناحية الجنوب بعيدًا عن الحواضر والمدنية، حتى وصل إلى شمال السنغال -التي لا نعرف عنها سوى فريقها القومي، رغم كونها بلدًا إسلاميًا كبيرًا، حيث أكثر من 90 % من سكانه من المسلمين-.

وهناك وفي شمال السنغال اعتزلهم عبد الله بن ياسين، متنسكًا في جزيرة، قال ابن خلدون - كما نقل عنه الزركلي في الأعلام جـ 8 / ص 160-: " يحيط بها النيل، ضحضاحًا في الصيف، يخاض بالأقدام، وغمرًا في الشتاء يعبر بالزوارق" صنع خيمة بسيطة له وجلس فيها وحده، ثم بعث برسالة إلى أهل جُدالة في جنوب موريتانيا، تلك التي أخرجه أهلُها منها يخبرهم فيها بمكانه، فمن يريد أن يتعلم العلم فليأتني في هذا المكان.

كان من الطبيعي أن يكون في جُدالة بعض الناس خاصّة من الشباب الذين تحرّكت قلوبهم وفطرتهم السوّية لهذا الدين، لكنّ أصحاب المصالح ومراكز القوى في البلاد كانوا يمنعونهم من ذلك، فحين علموا أنهم سيكونون بعيدين عن قومهم، ومن ثَمّ يكونون في مأمن مع شيخهم في أدغال السنغال، تاقت قلوبهم إلى لقياه، فنزلوا من جنوب موريتانيا إلى شمال السنغال، وجلسوا مع الشيخ عبد الله بن ياسين، ولم يتجاوز عددهم في بادئ الأمر الخمسة نفر...!!.

وفي خيمته وبصبر وأناة شديدين أخذ الشيخ عبد الله بن ياسين يعلّمهم الإسلام كما أنزله الله - سبحانه وتعالى - على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -، وكيف أن الإسلام نظام شامل متكامل ينتظم كل أمور الحياة، وبدأ يعلمهم العقيدة الصحيحة، والجهاد في سبيل الله، وكيف يركبون الخيل، ويحملون السيوف، وكيف يعتمدون على أنفسهم في مطعمهم ومشربهم، وكيف ينزلون إلى الغابات فيصطادون الصيد، ويأتون به إلى الخيمة يطبخونه ويأكلونه، ولا يستجدون طعامهم ممن حولهم من الناس.

ذاق الرجال معه حلاوة الدين، ثم شعروا أن من واجبهم أن يأتوا بمعارفهم وأقربائهم وذويهم؛ لينهلوا من هذا المعين، ويتذوقوا حلاوة ما تذوقوه، فذهبوا إلى جُدالة - وكانوا خمسة رجال - وقد رجع كل منهم برجل فأصبحوا عشرة، ثم زادوا إلى عشرين، وحين ضاقت عليهم الخيمة أقاموا خيمة ثانية فثالثة فرابعة، وبدأ العدد في ازدياد مستمر.

هذا ولم يملّ الشيخ عبد الله بن ياسين تعليمهم الإسلام من كل جوانبه، وكان يكثر من تعليمهم أنه إذا ما تعارض شيء مع القرآن أو السنة فلا ينظر إليه، وأنه لا بدّ من المحافظة على هذه الأصول، فالقرآن الكريم والسنة المطهرّة مرجع كل مسلم في تعرف أحكام الإسلام.

تربية المرابطين على منهج رسول الله

مع كثرة الخيام وازدياد العدد إلى الخمسين، فالمائة، فالمائة وخمسين، فالمائتين، أصبح من الصعب على الشيخ توصيل علمه إلى الجميع، فقسمهم إلى مجموعات صغيرة، وجعل على كل منها واحدًا من النابغين، وهو نفس منهج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بداية من دار الأرقم بن أبي الأرقم، وحين كان يجلس - صلى الله عليه وسلم - مع صحابته في مكة يعلمهم الإسلام، ومرورًا ببيعة العقبة الثانية حين قسم الاثنين والسبعين رجلًا من أهل المدينة المنورة إلى اثني عشر قسمًا، وجعل على كل قسم خمسة نفر منهم نقيبًا عليهم، ثم أرسلهم مرة أخرى إلى المدينة المنورة حتى قامت للمسلمين دولتهم.

وهكذا أيضًا كان منهج الشيخ عبد الله بن ياسين، حتى بلغ العدد في سنة 440هـ= 1048م، بعد أربعة أعوام فقط من بداية دعوته ونزوحه إلى شمال السنغال إلى ألف نفس مسلمة (نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ) [الصَّف: 13].

فبعد أن طُرد الرجل، وأُوذي في الله، وضُرب وهُدّد بالقتل، إذا به ينزل بمفرده إلى أعماق الصحراء حتى شمال السنغال وحيدًا طريدًا شريدًا، ثم في زمن لم يتعدى الأربع سنوات يتخرج من تحت يديه ألف رجل على أفضل ما يكون من فهم الإسلام وفقه الواقع.

وفي قبائل صنهاجة المفرّقة والمشتتة توزّع هؤلاء الألف الذين كانوا كما ينبغي أن يكون الرجال، فأخذوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، يعلمون الناس الخير، ويعرفونهم أمور دينهم، فبدأت جماعتهم تزداد شيئًا فشيئًا، وبدأ الرقم يتخطى حاجز الألف إلى مائتان وألف ثم إلى ثلاثمائة وألف، يزداد التقدم ببطء لكنه تقدم ملموس جدًا.


 دولة المرابطين 286ea4920ad3121f33be9ded53ca781a

524
مهندس ميلا
مهندس ميلا
عضو مساهم
عضو مساهم

الإقامة : State of Libya
عدد المساهمات : 313
نقاط : 1021
تقييم : 156
تاريخ التسجيل : 25/03/2016

-----

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

 دولة المرابطين Empty رد: دولة المرابطين

مُساهمة من طرف مهندس ميلا السبت 30 أبريل 2016, 20:00

معنى المرابطين

أصل كلمة الرباط هي ما تربط به الخيل، ثم قيل لكل أهل ثغر يدفع عمن خلفه رباط، فكان الرباط هو ملازمة الجهاد، روي البخاري بسنده عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا... )) الحديث.

ولأن المرابطين أو المجاهدين كانوا يتخذون خيامًا على الثغور؛ يحمون فيها ثغور المسلمين، ويجاهدون في سبيل الله، فقد تَسمى الشيخ عبد الله بن ياسين ومن معه ممن كانوا يرابطون في خيام على نهر السنغال بجماعة المرابطين، وعُرفوا في التاريخ بهذا الاسم.

كما تطلِق عليهم بعض المصادر الملثمين، فيُقال: أمير الملثمين ودولة الملثمين، ويرجع سبب هذه التسمية كما يذكر ابن خلّكان في وفيات الأعيان إلى أنهم قوم يتلثمون ولا يكشفون وجوههم، فلذلك سموهم الملثمين، وذلك سنّة لهم يتوارثونها خلفاً عن سلف، وسبب ذلك على ما قيل أن "حمير" كانت تتلثم؛ لشدة الحرّ والبرد، يفعله الخواص منهم، فكثر ذلك حتى صار يفعله عامتهم.

وقيل: كان سببه أن قوماً من أعدائهم كانوا يقصدون غفلتهم إذا غابوا عن بيوتهم، فيطرقون الحي، فيأخذون المال والحريم، فأشار عليهم بعض مشايخهم أن يبعثوا النساء في زي الرجال إلى ناحية، ويقعدوا هم في البيوت ملثمين في زي النساء، فإذا أتاهم العدو ظنّوهم النساء فيخرجون عليهم، ففعلوا ذلك، وثاروا عليهم بالسيوف فقتلوهم، فلزموا اللثام؛ تبركاً بما حصل لهم من الظفر بالعدو.

وقال شيخنا الحافظ عز الدين ابن الأثير في تاريخه الكبير ما مثاله: وقيل: إن سبب اللثام لهم أن طائفة من لَمْتونة خرجوا مغيرين على عدو لهم، فخالفهم العدو إلى بيوتهم، ولم يكن بها إلا المشايخ والصبيان والنساء، فلما تحقق المشايخ أنه العدو أمروا النساء أن تلبس ثياب الرجال، ويتلثمن، ويضيقنه حتى لا يعرفن، ويلبسن السلاح، ففعلن ذلك، وتقدم المشايخ والصبيان أمامهن، واستدار النساء بالبيوت، فلما أشرف العدو رأى جمعاً عظيماً فظنه رجالاً وقالوا: هؤلاء عند حريمهم يقاتلون عنهن قتال الموت، والرأي أن نسوق النعم ونمضي، فإن اتبعونا قاتلناهم خارجاً عن حريمهم، فبينما هم في جمع النعم من المراعي إذ أقبل رجال الحي، فبقي العدو بينهم وبين النساء، فقتلوا من العدو، وأكثروا، وكان من قبل النساء أكثر، فمن ذلك الوقت جعلوا اللثام سنّة يلازمونه فلا يُعرف الشيخ من الشاب، ولا يزيلونه ليلاً ولا نهاراً.

ومما قيل في اللثّام:

قومٌ لهم درك العلا في حمير *** وإن انتموا صنهاجة فهم هم

لما حووا إحراز كل فضيلة *** غلب الحيـاء عليهم فتلثمو. هـ

كيف كانت الحياة في الرباط؟

كان هذا الرباط الذي أقامه الداعية الرباني الفقيه عبد الله بن ياسين بمثابة جامعة عظيمة، تخرّج فيها الكثير من القادة والمربين على يد هذا الشيخ الجليل، وعلى يد من تربوا على يديه، ولنقترب أكثر من الشيخ وتلامذته في هذا الرباط؛ لنرى حياتهم عن قرب، ونعيش بعض مواقفهم، ونعرف أسلوب حياتهم في هذا المكان...

أولاً: كان المقبلون على الشيخ في هذا المكان البعيد عن العمران هم الصفوة من بين أهل تلك البلاد التي رفض أهلها بقاء الشيخ بينهم، ورفضوا دعوته اتباعًا لأهوائهم، وإيثارًا لدنياهم على آخرتهم، فكان هؤلاء الصفوة الذين انقطعوا إلى الشيخ، وتركوا أهلهم وذويهم أهلًا لأن يتربوا على يد هذا المربى العظيم، بل كانوا أهلًا لأن يكون أساتذةً لجيل المرابطين المجاهدين بعد ذلك...

ثانيًا: بدأ الشيخ المربي العظيم عبد الله بن ياسين يعلّم هؤلاء الصفوة، ويربيهم على الأسس الإسلامية الصحيحة، وعلى الفهم الشامل العميق للإسلام، وكانت تربيته عملية لا نظرية، فهم يطبّقون ما يتعلمونه على الفور، وكان الشيخ بفهمه الواضح، ونظرته الثاقبة، يعرف أولوياته ويرتّبها، ولا يستعجل الخطى، بل يسير مع تلامذته في أناة شديدة، حتى يكون النضج على أحسن ما يكون.

ثالثًا: عاش هذا الجيل من المرابطين في هذا المكان - الرباط - حياة الجهاد والتقشف، وكان يعتمدون إلى حدٍّ كبير على الصيد، ويقتسمون بينهم ما يرزقهم الله به، ويؤثرون بعضهم بعضًا، وربما آثر أحدهم أن ينام جائعًا ويطعم أخاه، فقد أصّل الشيخ فيهم معاني الإيثار، والحب في الله، والأخوة الإسلامية... قال صاحب كتاب (دولة المرابطين): "وكان أهل الرباط في قمة من الصفاء الروحي، ويعيشون حياة مثالية في رباطهم، فيتعاونون على قوتهم اليومي، معتمدين على ما توفره لهم جزيرتهم من الصيد البحري، يقنعون بالقليل من الطعام، ويرتدون الخشن من الثياب".

وإن هذه النماذج لتذكرنا بالجيل الأول الذي رباه الرسول الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم - والذين قال الله فيهم: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) [الحشر: 8] ولا عجب فإن عبد الله بن ياسين - رحمه الله - قد اتّبع في تّرْبية تلاميذه من المرابطين المنهج النبوي العظيم الذي اتبعه الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فكانت تلك ثمرته المرجوّة، ومتى اتبع المربّون والمعلّمون هذا المنهج في بناء الأجيال الإسلامية فليس هناك من شك أن هذه الأجيال سترفع راية الإسلام عالية خفّاقة على ربوع العالم كله، وسيُعيد المسلمون كل ما افتقدوه من أرض ومقدسات، فهل من مجيب؟!.

رابعًا: جمع الشيخ في تربيته للمرابطين بين تربيته لنفوسهم وأرواحهم على الصفاء والنقاء والطاعة لله وبين تربية أجسادهم على القوة والمتانة وتحمّل الصعاب؛ وذلك لأنه يعدّهم لأمر مهم، وخطب جلل، لا يصلح له إلا من تربى عقلُه على العلم والفقه، وروحه على الصفاء والنقاء، وجسدُه على الخشونة وقوّة التحمّل.

خامسًا: تدرّج الشيخ - رحمه الله - في بناء القوة في تلامذته المرابطين، فبدأ بتأصيل العقيدة الصحيحة في نفوسهم، ولم يكن الشيخ يكثر في ذلك من مطالعة العلوم الكلامية، والخلافات بين الفرق، والتقعّر والتعمّق في أمور لا طائل من ورائها، وإنما كان يربي عندهم العقيدة السليمة من خلال التفكر في خلق الله ونعمِهِ، ومن خلال العبادة الدائمة من ذكر وصيام وقيام وتهجد وتلاوة للقرآن...، وفي خطٍ موازٍ لتأصيل العقيدة الصحيحة في النفوس كان الشيخ - رحمه الله - يبني في جانب آخر من جوانب القوة ألا وهو قوة الإخاء والحب فيما بين المرابطين، وهو جانب لا يستهان به بحال من الأحوال، فقوة الأخوة في الله ينبني عليها الكثير من مقوّمات النصر والتمكين، ويحسنُ بها الترابط بين الجنود، فيؤثر كل منهم صاحبه على نفسه، ويفتديه بما يستطيع، ويسمع له ويطيع - إن أُمّر عليه - في المنشط والمكره؛ انطلاقًا من هذا الحب وتلك الأخوة...

ومع هاتين القوتين اللّتين حرص الشيخ على بنائهما في جنوده المرابطين، لم يكن - رحمه الله - ليُغفل جانبًا مهمًّا من جوانب القوّة ألا وهو قوّة الساعد والسلاح، فقد كان الشيخ - رحمه الله - وكما ذكرنا سابقًا يربى تلامذته على الخشونة في المطعم والملبس، كما كانوا يتدربون أيضًا على فنون القتال المختلفة؛ استعدادًا لما ينتظرهم من أمور عظيمة، بها عزّ الإسلام، ونصرة المسلمين.

وقد انطلق الشيخ - رحمه الله - في كل هذه الأمور من قول الله - تعالى – (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ) [الأنفال 60].

يقول الأستاذ سيد قطب: يجب على المعسكر الإسلامي إعداد العدة دائماً، واستكمال القوة بأقصى الحدود الممكنة؛ لتكون القوة المهتدية هي القوة العليا في الأرض؛ التي ترهبها جميع القوى المبطلة؛ والتي تتسامع بها هذه القوى في أرجاء الأرض، فتهاب أولاً أن تهاجم دار الإسلام، وتستسلم كذلك لسلطان الله، فلا تمنع داعية إلى الإسلام في أرضها من الدعوة، ولا تصد أحداً من أهلها عن الاستجابة، ولا تدّعي حق الحاكمية، وتعبيد الناس، حتى يكون الدين كله لله...

إن من يقرأ عن الشيخ عبد الله بن ياسين والمرابطين الذين كانوا معه قراءة عابرة يظن أنهم جماعة من الناس، اعتزلوا قومهم؛ ليعبدوا الله بعيدًا عن ضوضاء العمران، ومشاكل الناس فحسب، ولم يكن الأمر كذلك على الإطلاق، بل كان هذا الاعتزال جزءًا من خطة كبيرة يتم تنفيذها خطوة بعد خطوة، بفهم سليم، وعمق في التفكير، ودقة في التخطيط، وبراعة في التنفيذ.

ومما يلفت النظر كذلك في هذا الرباط المبارك الدقة العالية في التنظيم، والتي اتبعها الشيخ ونفذها في هذا الرباط، فقد قسّم الشيخ مَن معه إلى مجموعات كثيرة، جعل على كلٍ منها واحدًا يعلمهم ويفقههم ويربيهم، وعن طريقه تصل إليهم تعليمات الشيخ وتوجيهاته، كما تم تقسيم قادة هذه المجموعات إلى مجموعات أخرى، على كلٍ منها أحد النابغين الأذكياء، وهكذا يكبر هذا الهرم؛ ليكون في قمّته الشيخ المربي - رحمه الله -، يصدر تعليماته فتصل إلى الجميع في انسياب وسهولة، دون تعقيد أو تغيير...

كوّن الشيخ - رحمه الله - من نجباء تلاميذه مجلسًا للشورى، كما شكّل إدارات متعددة؛ لتقوم بأمر الرباط والمرابطين، خاصة بعد أن صاروا من الكثرة بمكان...

بين المرابطين في الثغور والمرابطين في مرج الزهور

تذكرنا نشأة المرابطين هذه بقضيتنا المعاصرة - قضية فلسطين - فعندما أبعد الصهاينة في ديسمبر 1992م ما يزيد على أربعمائة من إخواننا في فلسطين، من بينهم أكثر من 200 من خطباء المساجد، ومن بينهم أساتذة جامعات، وأطباء، ومهندسون، وصيادلة، ومدرسون، وطلاب...

لقد أراد اليهود بإبعاد هؤلاء الصفوة أن يفرّغوا فلسطين من رجالاتها؛ حتى تصفو لهم وطنًا، وحتى لا يعكّر حياتهم هؤلاء المجاهدون، فتآمروا لإبعادهم إلى لبنان، ومن ثَمّ تلحق بهم أسرهم وأهليهم، وتكون الحطة الصهيونية قد نجحت، ولكن المجاهدين فقهوا الأمر جيدًا، وأبوا أن يدخلوا لبنان، وعسكروا في مكان سمّوه "مرج الزهور"، وهي أقرب قرية إلى المكان الذي تم إبعادهم إليه - وكانت القرية السنيّة الوحيدة في تلك المنطقة -، وكانت تلك المنطقة معسكرًا سابقًا للجيش اليهودي، وكان المكان مزودًا بالطرق والشوارع المرصوفة، وبالقرب منه عين ماء وهو في منطقة في غاية الروعة والجمال...

يقول أحد الذين كانوا مع المبعدين: كان مخيم المبعدين أشبه بالدولة المصغرة، فقد قسم للجان مختلفة منها: اللجنة الإعلامية التي يترأسها د. عبد العزيز الرنتيسي- يرحمه الله - المتحدث باسم المبعدين باللغة العربية، والدكتور عزيز دويك المتحدث باللغة الإنجليزية، وكانت مهمة هذه اللجنة الحديث مع وسائل الإعلام العربية والعالمية، وهناك أيضاً اللجنة المالية واللجنة الاجتماعية واللجنة الرياضية ولجنة الدعوة وغيرها من اللجان الفاعلة، وقمنا كذلك بتأسيس جامعة تضم مختلف العلوم أسميناها "جامعة ابن تيمية"، وكان هناك دورات التجويد وحفظ القرآن ودورات الكراتية والخط والخطابة ودورات باللغة الإنجليزية وغيرها الكثير من الخبرات والعلوم التي تلقينها أثناء فترة الإبعاد والتي ساهمت بإكسابنا العديد من المهارات والعلوم الدينية والدنيوية.

أما عن المبعدين فقد كانوا من مختلف الشرائح الاجتماعية منهم الطبيب والمهندس والشيخ والعامل والموظف والقاضي والتاجر، وكانت تضم خيرة أبناء شعبنا في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وقال العائدون من مرج الزهور: إن رحلة الإبعاد عادت عليهم بالخير الكبير على عكس ما أراد الاحتلال، ويذكر الأستاذ حسني البوريني ذلك بالقول: "أرادت الحكومة(الإسرائيلية) من عملية الإبعاد إيقاف المقاومة، وأضعاف الحركة الإسلامية بإبعاد رجالاتها، إلا أن إرادة الله فوق كل اعتبار، فحولنا المنحة إلى محنة زادت من رصيد الحركة الإسلامية ليست الفلسطينية فحسب بل العالمية، فقد دخل بعض زوار المخيم من الصحفيين في الإسلام من خلال حسن تعاملنا، ومن خلال عملية الإبعاد وصل صوت الحركة الإسلامية إلى أكثر من 100 دولة من خلال جيش الصحفيين، والتي كانت الوفود منهم يومية، فعرضنا وجهة نظرنا، وأسمعنا العالم صوتنا، وعرف العالم حقيقة الحكومة الصهيونية التي تدعي حماية حقوق الإنسان.

ويتذكر الشيخ داود أبو سير عدداً كبيراً من رفاق رحلة الإبعاد، الذين هم الآن إما شهداء مثل: الشيخين جمال سليم وجمال منصور وصلاح دروزة والدكتور عبد العزيز الرنتيسي والعشرات غيرهم، وإما أسرى في سجون الاحتلال مثل: الشيخ أحمد الحاج علي، وجمال أبو الهيجاء وحسن يوسف، ويجمع المتحدثون على أن أكثر الشخصيات التي تأثروا بها هي شخصية الدكتور عبد العزيز الرنتيسي الذي كان يستقبل الوفود الأجنبية والعربية، وكان ذو روح مرحة، يوصل الليل بالنهار لخدمة إخوانه...

نعود مرة أخرى من فلسطين إلى الشمال الإفريقي...

يحيى بن عمر اللمتوني والمرابطون

وفي سنة 445هـ= 1053م يحدث ما هو متوقع وليس بغريب عن سنن الله - سبحانه وتعالى -، فكما عهدنا أن من سنن الله - سبحانه وتعالى - أن يتقدم المسلمون ببطء في سلّم الارتفاع والعلو، ثم يفتح الله عليهم بشيء لم يكونوا يتوقعونه، وكما حدث للمسلمين - كما ذكرنا - في عهد عبد الرحمن الناصر من دخول سرقسطة وموت عمر بن حفصون، أيضاً في هذه البلاد تحدث انفراجة كبيرة، ويقتنع بفكرة الشيخ عبد الله بن ياسين وجماعته من شباب قبيلة جُدالة يحيى بن عمر اللمتوني (ت 447 هـ= 1055 م) زعيم ثاني أكبر قبيلتين من قبائل صنهاجة، وهي قبيلة لمتونة - القبيلة الأولى هي جُدالة كما ذكرنا -.

فدخل في جماعة المرابطين، وعلى الفور وكما فعل الصحابي الجليل سعد بن معاذ - رضي الله عنه - حين دخل الإسلام، وذهب إلى قومه، وكان سيدًا عليهم وقال لهم: إن كلام رجالكم ونسائكم وأطفالكم عليّ حرام، حتى تشهدوا أنه لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، قام يحيى بن عمر اللمتوني وفعل الأمر نفسه، وذهب إلى قومه، وأتى بهم، ودخلوا مع الشيخ عبد الله بن ياسين في جماعته، وأصبح الثلاثمائة وألف سبعةَ آلافٍ في يوم وليلة، مسلمون كما ينبغي أن يكون الإسلام.

وفي مثال لحسن الختام، وبعد قليل من دخول قبيلة لَمْتُونة في جماعة المرابطين يموت زعيمهم الذي دلّهم على طريق الهداية الشيخ يحيى بن عمر اللمتوني (447 هـ= 1055 م)، ثم يتولى من بعده زعامة القبيلة الشيخ أبو بكر بن عمر اللمتوني (480 هـ= 1087 م).

دخل الشيخ أبو بكر بن عمر اللمتوني بحماسة شديدة مع الشيخ عبد الله بن ياسين، وبدأ أمرهم يقوى وأعدادهم تزداد، وبدأ المرابطون يصلون إلى أماكن أوسع حول المنطقة التي كانوا فيها في شمال السنغال، فبدءوا يتوسعون حتى وصلت حدودهم من شمال السنغال إلى جنوب موريتانيا، وأدخلوا معهم جُدالة، فأصبحت جُدالة ولَمْتُونة وهما القبيلتان الموجودتان في شمال السنغال وجنوب موريتانيا جماعة واحدةً تمثّل جماعة المرابطين.

أما الشيخ "عبد الله بن ياسين" ففي إحدى جولاته وبينما يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر في إحدى القبائل، حاربوه وقاتلوه حتى استشهد - رحمه الله - سنة 451هـ= 1059م بعد أن أمضى أحد عشر عامًا من تربية الرجال على الجهاد والفقه الصحيح لمعاني الإسلام العظيمة، استُشهد - رحمه الله - وقد ترك اثنا عشر ألف مجاهد، قد تربوا على منهج سول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام والسلف الصالح.


 دولة المرابطين 286ea4920ad3121f33be9ded53ca781a
مهندس ميلا
مهندس ميلا
عضو مساهم
عضو مساهم

الإقامة : State of Libya
عدد المساهمات : 313
نقاط : 1021
تقييم : 156
تاريخ التسجيل : 25/03/2016

-----

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى

  • ©phpBB | منتدى مجاني | منتدى مجاني للدعم و المساعدة | التبليغ عن محتوى مخالف | آخر المواضيع