العالم العربي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

لونجوا - نهر العطاء

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل

 لونجوا - نهر العطاء Empty لونجوا - نهر العطاء

مُساهمة من طرف أحمد علي الإثنين 06 أبريل 2015, 06:24



من مكان مخبأ بين جبال وادي الرفت الإفريقي يجري نهر مهيب، ويحضر معه سيلاً كبيراً من المياه، ولكن هذا السيل لم يستمر طوال العام؛ مما يسبب تغيراً مأساوياً فهو يتقلص نهر غزير خلال تساقط الأمطار إلى جدول بطيء الحركة خلال فصل الجفاف.

هذه الحيوانات يمدها الله تعالى بقدر كبير على تحمل قساوة هذا النهر هي التي ستبقى على قيد الحياة وتصبح أبطال نهر "لونجوا".

يجري نهر "لونجوا" في إحدى مناطق زامبيا المعزولة، ينبع هذا النهر الذي يبلغ طوله ألفاً ومئة كيلو متر من الجبال التي تفصل حدود زامبيا الشمالية عن تنزانيا، إنه النهر الوحيد الذي يجري فوق مئتين وخمسين كيلو متراً مربعاً داخل وادي "لونجوا" ويعتبر المصدر الوحيد للمياه، عندما يفيض نهر "لونجوا" خارج الوادي يصب في نهر زامبيزي الكبير، ويبدو وادي "لونجوا" في شهر آب أغسطس مهجوراً ويظهر مجرى النهر ضيقاً وموحلاً.

لقد تساقطت الأمطار الأخيرة منذ أربعة أشهر ولم تهطل مرة أخرى قبل شهرين إلا أن يشاء الله تعالى، في هذه الأثناء فقد النهر روعة فصله الرطب، لقد انخفض مستوى المياه بشكل مأساوي مخلفاً وراءه مجرى نهر عريض وقاحل، حيث يصعب على الحيوانات التي تعيش في هذا النهر أن تجد مكاناً لها، أُجبرت قطعان من أفراس النهر على التجمع معاً داخل أجزاء عميقة من النهر لتغمر أجسادها بالماء، لم تعد البرك القليلة المتبقية قادرة على استيعاب هذه الأعداد وانخفضت القدرة على الاحتمال.

في الوقت الذي تجف فيه كل مصادر الماء الأخرى في وادي "لونجوا" تغطُس الحيوانات في النهر لتعيش، تحتاج الجواميس أن تشرب يومياً، وسيصبح هذا النهر مصدرها الوحيد للماء طوال الأشهر الأربعة المقبلة وهو سيتناقص أيضاً، في الوقت الذي يكون فيه وقت الشح للعديد من الحيوانات يصبح بالنسبة إلى المهاجمين وقت الوفرة والخير، إن جل ما ستفعله الأسود خلال فصل الجفاف هو النزول إلى النهر والتقاط وجبتها.

وتصل الحيوانات إلى النهر أكثر فأكثر، إنه وقت الاختبار بالنسبة إلى الفيلة خلال هذا الفصل من السنة حيث يكون عليها عبور مسافات طويلة بين أطراف الوادي للعثور على الغذاء المناسب والوصول إلى النهر الذي يعتبر مصدر الماء الوحيد لها.

تغادر الفيلة النهر الآن متابعة هجرتها الشتوية الدائمة بين الماء والغذاء، ولكن الأسود تجد جيفة جاموس عند طرف الماء، تعتبر أسود وادي "لونجوا" من أنجح صيادي الجواميس في إفريقيا، فمغرور كبير كهذا سيصطاد ويقتل كل أربعة أيام مؤمناً الغذاء لكل أفراد عائلته.

مع حلول شهر آب أغسطس يصبح نهر "لونجوا" جدولاً ضيقاً يجري شحيحاً عبر الوادي الذي يتحكم فيه فصل الأمطار، تتجمع أنواع مختلفة من الحيوانات معاً محافظة على سلام هش بينها، توجد تجمعات كبيرة من التماسيح وأفراس النهر في إفريقيا تعيش على طول نهر "لونجوا" يعتبر التمساح حيواناً انتهازياً وهو ينتظر اللحظة المناسبة بصبر ليقتل ويبحث عن الطعام.

يفقد قطيع أفراس النهر رباطة جأشه وصبره ويؤدي هذا إلى نشوب صراع بينها، يتدخل الثور المقيم قبل أن يجرح المتصارعان أو يقتلا، لقد عاد الهدوء الآن إلى القطيع وتستمر التماسيح في الانتظار بكل صبر، حتى أكثر المخلوقات مرونة تنزل النهر الآن ومنها حيوانات النو، لا توجد هذه الأجناس النادرة إلا في وادي "لونجوا" ولقد غادرت منحدرات الجبال العارية حيث تعيش في فصل الشتاء لتبحث عن الطعام والماء حول النهر الضحل، خلال فصل آيلول سبتمبر يتغير الطقس تماماً فالحرارة العالية تؤدي إلى أيام جافة.

لقد تبدت البرك المتفرقة والمعروفة باسم بحيرات سناد النير والتي تركتها الحيوانات بعد جفاف النهر وتحولت إلى بريكات موحلة لزجة بقدرة الله تعالى، تتجمع فيها الجواميس التي يجذبها احتمال وجود مكان جيد للتمرغ، تجد بعض الكائنات الصغيرة كطيور الحب مصدر غذاء جيدًا في هذا الوحل الجاف، تكون هذه الطيور أسراباً كبيرة تصل إلى حدود مئة طائر.

تنتقل الأسود بين النهر وبرك سناد النير الجافة بحثاً عن فرصة صيد سهلة، ولكن هذه الأسود تناولت طعامها قبل قليل، وهي ترتاح تحت الظل الذي توفره الأشجار العارية المحيطة بالبحيرة، ومع توفر الغذاء قرب النهر خلال هذا الوقت من السنة يستطيع أسد جريح أن يبقى على قيد الحياة بإذن الله، لقد تعرض هذا الذكر لنطحة من جاموس خلال فصل الجفاف المنصرم ولم يعد قادراً على الصيد منذ ذلك الوقت، إلا أنه بقي على قيد الحياة بمشيئة الله، وبينما كان يحاول الوصول إلى آخر بُريكة ماء من برك سناد النير الجافة غامر هذا الجاموس كثيراً وعلق في الوحل المميت.

لقد جذب صراعه انتباه اثنين من الأسود أحدهما الأسد الجريح، كما نشاهد الصراع الآن لا يمكن لهذا الجاموس الخروجُ من هذه الحالة، لقد قُدر له أن يموت ببطء، على الرغم من أن الأسد الجريح قد تناول طعامه حديثاً إلا أنه لا يستطيع تجاهل مثل هذه الفرصة السهلة.

أخذ يقترب من الجاموس بحذر، ولأن قائمته مكسورة لم يعد هذا الأسد قادراً على مشاركة الأسود في الصيد، ولكنه سيحاول أكل هذه الفريسة وحيداً، الأسد الآخر مهتم بالأمر، ولكنه ليس جائعاً كثيراً لمساعدته في التهام الفريسة لأنه قد يقع بسهولة في مستنقع الوحل الذي تسبب بموت الجاموس، حتى بعد مرور عام لم يفقد الأسد الجريح مهارته في القتل، لقد خنق هذا الأسد المفترس الجاموسَ وقضى عليه فهو لم يفقد مهارته في الصيد، وها قد رزقه الله تعالى وجبة سهلة المنال.

تتجمع طيور العقبان بسرعة بعد أن شاهدت الضحية في أثناء تحليقها عالياً وسط الرياح الساخنة، بعد أن أُتخم من آخر وجبة يغادر الأسد الجثة الموحلة بينما تأتي الطيور الكناسة إليها.

إن الكمين الموحل لبحيرة سناد النير يزخر بوجود العالقين ولكن كل البحيرات الأخرى تجف أيضاً وتضطر حيواناتها للانتقال إلى النهر للعثور على الماء، لقد انخفض منسوب المياه في النهر أيضاً وسيصعب على فرس النهر العثور على مياه عميقة، لقد احتلت قطعان الحيوانات المقيمة فيه أفضل المساحات إلا أن الفرس الزائر يحاول التقدم من القطيع.

ولكن هذا القطيع ومنطقته محميان بواسطة ثور ضخم، يتقدم إلى الأمام حيث يقف المتطفل في مكانه ويظهر قوته بتحريك فكيه، ولكن يصعب إخافة حامي القطيع ويبقى للدفاع عن منطقته، وأخيراً يغادر الزائر المنبوذ، ومع احتلال أفراس النهر الأخرى لكل المناطق العميقة من النهر، يكون على الواثب الجديد العثور على مكان آخر أفضل منه، يجب عليه أن يتنبه من المياه الضحلة لأن الشمس الحارقة قد تحرق جلده وتشققه، المكان الوحيد الفارغ الذي يستطيع إيجاده يكون قرب مستعمرة آكلة النحل أو الوروار.

في شهر آب أغسطس تصل آكلة النحل القرمزية إلى الوادي من مناطق إفريقيا الاستوائية للتكاثر ومع حلول شهر آيلول سبتمبر تكون هذه الطيور قد حفرت أعشاشها في الضفاف المتآكلة التي خلفها النهر الجاف، تحفر هذه الطيور الاجتماعية أعشاشها عميقاً داخل التربة وتكون متقاربة.

يجذب هذا النشاط للمستعمرة نسر الأسماك، هذا الطائر الجارح سيصطاد ويأكل أي شيء يصادفه بدءاً من الطيور والفراخ الجاثمة وصولاً إلى البيض، ولكنه لا ينجح إلا في ثلث صيده، في هذه الحالة تعتبر الطيور آكلة النحل أسرع من نسر الأسماك، لا يحصل النسر إلا على مخلب مليء بالريش.

يغادر المهاجم المكان بحثاً عن صيد أرضي أسهل، إن حاستي النظر والسمع الحادتين تقودان النسر إلى بحيرة سناد النير الجافة، لقد تجمع عدد من الطيور هنا، تنهي اللقالق المهمة التي بدأت بها النسور، بدأت الأوحال التي تسببت بمقتل الجاموس تجف أكثر فأكثر، وأصبحت مكمن موت محتمل للآخرين، يأتي البجع الأبيض إلى هنا ليأكل قبل أن يعود إلى مناطق تكاثره الجنوبية، تظهر المياه المتناقصة وكأنها تغلي بعد أن علقت فيها سمكة "سلور" إنها تعيش فترات الجفاف بدفن جسمها داخل الوحل ولكن بالنسبة إلى الأسماك وصل المهاجمين في وقت مبكر، بدأت حفلة صيد الأسماك.

لا يوجد مكان لتختبئ فيه الأسماك داخل هذه البركة الصغيرة، بينما يصطاد البجع الأسماك تنتظر طيور اللقلاق فرصة لتسرق وجبة لها، يطارد طائر اللقلاق هذه البجعة ولكنها تبتلغ السمكة قبل أن تختفي في المياه الموحلة، هنا أن تكون لصاً ماهراً هو كأن تكون صياداً ماهراً.

يمارس نسر الأسماك الصغير مهارته في الصيد، على حافة البركة يبحث ويحارب من أجل الغذاء، بعد بضع ساعات تنتهي الطيور من التهام طعامها، إنها وليمة سريعة لا تحدث إلا مرة واحدة في السنة عندما يصل الجفاف إلى ذروته، مع بداية شهر أكتوبر تشرين الأول يصبح الجفاف والحرارة غير محتملين، كان النهر يجري بغزارة قبل ستة أشهر بمياهه الوفيرة، ولكنه أصبح الآن جدولاً ضعيفاً ولا أمل في عودة الظروف الطبيعية إلى النهر في هذا المناخ إلا أن يشاء الله.

لقد تسببت درجات الحرارة المرتفعة بيباس كل نباتات الوادي وقد أصبحت الأرض قاسية جداً لا تنمة فيها الأعشاب، تمضي ظباء "الكوكوس" كل أواقتها قرب النهر حيث تنمو شجيرات صغيرة في التربة الرطبة التي تخلفها المياه المتضائلة، وتبحث قرود الرباح عن غذائها هنا أيضاً، وهي تبحث عن أي شيء تستطيع تناوله، تصبح جذور وبصلات النباتات جزءاً أساسياً لغذائها الآن.

تعتبر كميات الماء المتبقية في النهر قليلة جداً لتحمل كل هذا القطيع من أفراس النهر، يحتاج كل عنصر لإيجاد مكان مناسب له، وبعد أن تضعفها حرارة الشمس الحارقة ونقص الغذاء لا يبقى لدى هذه الحيوانات سوى القليل من الطاقة لإكمال القتال، يتحرك فرس آخر في مكان مجاور للتحقق، وسرعان ما يدرك أنه من الأفضل أن يغادر الجيفة ليأكلها غيره، وأخيراً ينتهي انتظار التماسيح الطويل للحصول على الغذاء.

ولكن يبدو أن حيوانات "الكوكوس" تشعر باقتراب تغيير في الهواء، تصارع من أجل البقاء مستجمعة كل قواها، ويربح الفائز حق التزاوج من الإناث ويظهر عزمه على ذلك، على الرغم من أن هذه الحيوانات قد بدأت تزاوجها إلا أنه لا يوجد دليل على بدء هطول الأمطار، ويمر يوم آخر دون أن تهطل أي قطرة.

وأخيراً تتجمع سحب ما بعد منتصف الليل فوق الجبال، ويحين موعد انتهاء ستة أشهر من الجفاف القاسي، وخلال بضعة أيام فقط تجري مياه الأمطار التي تجمعت في الجبال داخل مجرى النهر، لقد تحول نهر "لونجوا" من جدول رقيق إلى نهر هادر، فالأمطار التي هطلت على الوادي كانت نعمة من الخالق العظيم.

وبعد سُبات عميق تتفتح براعم جديدة بإذن الله، في الأشهر الستة المقبلة ستصبح الحياة سهلة بالنسبة إلى الكائنات التي تعيش على نهر "لونجوا"، يغادر قطيع الفيلة المكان أيضاً، ولكنه سرعان ما يحتاج إلى العودة ويمضي وقته بين النهر ومصادر الغذاء.

توفر - بمشيئة الله - الغذاء والماء مرة أخرى في وادي "لونجوا" وانتشرت الحيوانات في كل مكان، امتلأت بحيرات "سناد النير" بمياه الأمطار، وعاد سكانها الصيفيون إلى هذه البرك الهادئة وخرجت الأسماك والطيور التي بقيت على قيد الحياة - بإذن الله - خلال فصل الجفاف من أماكن اختبائها الموحلة.

خلال فصل الشتاء ملأت الأمطار الغزيرة نهر "لونجوا" بكمية كبيرة من المياه، وأصبح النهر ملائماً لهذه الحيوانات التي بقيت على قيد الحياة - بقدرة الله - خلال فصل الجفاف، والآن كل شيء أصبح جيداً في هذا الوادي المنسي ونهره المتعرج، إنه مجرى ماء مدهش مخبأٌ بين صدوع جبال وادي إفريقيا.



أحمد علي
أحمد علي
عضو مبدع
عضو مبدع

عدد المساهمات : 560
نقاط : 1705
تقييم : 301
تاريخ الميلاد : 08/01/1990
تاريخ التسجيل : 04/04/2015
العمر : 34

http://www.tunisiacreativity.com/forum
-----

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى

  • ©phpBB | منتدى مجاني | منتدى مجاني للدعم و المساعدة | التبليغ عن محتوى مخالف | آخر المواضيع