صبر العلماء على شدائد العلم والتحصيل

اللهم صلّ وسلّم وبارك على سيدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين

صبر العلماء على شدائد العلم والتحصيل

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف المرسلين وخاتم النبيئين ورحمة الله للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .

نخصّص هذا الموضوع على بركة الله لذكر صفحات طيبة مشرقة من قصص العلماء المروية في كتب التراجم وصبرهم على شدائد العلم والتحصيل وما لقوه من شظف العيش او وطأة المرض او وعثاء السفر طلبا للعلم والمعرفة . وقد خصص الشيخ المحدث عبد الفتاح ابو غدّة رحمه الله كتابا في هذا الشأن ، قرأته منذ أيام وشدني ما فيه من حيث تحفيز الهمة وضبط اسناد الاخبار الواردة فيه والرجوع الى مؤلفاتها . فأردت نشر بعض ما فيه اختصارا للفائدة . ونسأل الله تعالى العون والتيسير .

****

موسى والخضر عليهما السلام :

قال الامام ابو عبد الله البخاري في صحيحه في كتاب العلم : " باب ما ذُكر في ذهاب موسى في البحر الى الخضر عليهما السلام وقوله تعالى (( هل أتبعك على أن تعلّمن ممّا عُلّمت رُشدا )) .

وروى بسنده الى ابن عبّاس رضي الله عنهما

أنه تمارى هو والحر بن قيس بن حصن الفزاري في صاحب موسى قال ابن عباس هو خضر فمر بهما أبي بن كعب فدعاه ابن عباس فقال إني تماريت أنا وصاحبي هذا في صاحب موسى الذي سأل موسى السبيل إلى لقيه هل سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكر شأنه قال نعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بينما موسى في ملإ من بني إسرائيل جاءه رجل فقال هل تعلم أحدا أعلم منك قال موسى لا فأوحى الله عز وجل إلى موسى بلى عبدنا خضر فسأل موسى السبيل إليه فجعل الله له الحوت آية وقيل له إذا فقدت الحوت فارجع فإنك ستلقاه وكان يتبع أثر الحوت في البحر فقال لموسى فتاه " أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا " فوجدا خضرا فكان من شأنهما الذي قص الله عز وجل في كتابه.

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه فتح الباري شرح صحيح البخاري شارحا هذا الحديث " هذا الباب معقود للترغيب في احتمال المشقة في طلب العلم لأن ما يُغتبط به تُحتمل المشقة فيه ، ولأن موسى عليه الصلاة والسلام لم يمنعه بلوغه من السيادة المحلّ الأعلى من طلب العلم وركوب البرّ والبحر لأجله ، وفي الحديث : ركوب البحر في طلب العلم ، بل في طلب الاستكثار منه ، ولزوم التواضع في كل حال "

وقال الخطيب البغدادي في كتاب " الرحلة في طلب الحديث " (( قال بعض أهل العلم : إنما فيما عاناه موسى من الدّأب والسفر وصبر عليه من التواضع والخضوع للخضر ، بعد معاناة قصده ، مع محلّ موسى من الله عز وجل ، وموضعه من كرامته وشرف نبوته ، دلالة على ارتفاع قدر العلم ومنزلة اهله وحسن التواضع لمن يلتمس منه ويؤخذ عنه ))

جابر بن عبد الله رضي الله عنه يسير شهرا ليسمع حديثا لرسول الله صلى الله عليه وسلم :

عن جابر بن عبد الله قال: "بلغني حديث عن رجل سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم, فاشتريت بعيراً, ثم شددت عليه رحلي, فسرت إليه شهراً حتى قدمت عليه الشام, فإذا عبد الله بن أنيس, فقلت للبواب: قل له: جابر على الباب. فقال: ابن عبد الله؟ قلت: نعم. فخرج يطأ ثوبه فاعتنقني واعتنقته فقلت : حديث بلغني عنك أنك سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فخشيت ان تموت أو أموت قبل أن أسمعه ، فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يحشر الله الناس يوم القيامة عُرَاةً غُرلاََ بُهْمًا ، قلنا : ما بُهْمًا ، قال : ليس معهم شئ ... " ( الحديث )

ذكره الامام البخاري في الادب المفرد والخطيب البغدادي في كتاب الرحلة في طلب الحديث وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري " وفي هذا الحديث ما كان عليه الصحابة من الحرص على تحصيل السنن النبوية "

الرحلة في طلب العلم :

قيل للامام احمد بن حنبل : أيرحلُ الرجل في طلب العلم ؟ فقال : بلى والله شديدا ، لقد كان علقمة بن قيس النخعي والأسود بن يزيد النخعي - وهما من أهل الكوفة بالعراق - يبلغهما الحديث عن عمر ، فلا يقنعهما حتى يخرجا إليه - إلى المدينة المنورة - فيسمعانه منه .

وقال يحيى بن معين : أربعة لا تؤنس منهم رشدا ، وذكر منهم : رجلا يكتب في بلده ولا يرحل في طلب الحديث.

وفي شرح الالفية للحافظ العراقي ، وفتح المغيث للحافظ السخاوي : سأل عبد الله بن احمد بن حنبل أباه : هل ترى لطالب العلم أن يلزم رجلا عنده علم فيكتب عنه ؟ أو يرحل الى المواضع التي فيها العلماء فيسمع منهم ؟ قال : يرحل ويكتب عن الكوفيين والبصريين وأهل المدينة ومكة ، يُشامّ الناس ويسمع منهم .

وقال العلامة ابن خلدون في المقدمة : ان الرحلة في طلب العلوم ولقاء المشيخة : مزيد كمال في التعليم والسبب في ذلك أن البشر يأخذون معارفهم وأخلاقهم ، وما يتحلّون به من المذاهب والفضائل تارة علما وتعليما ولقاء ، وتارة محاكاة وتلقينا بالمباشرة ، إلا أن حصول الملكات عن المباشرة والتلقين ، أشد استحكاما وأقوى رسوخا ، فعلى قدر كثرة الشيوخ يكون حصول الملكات ورسوخها.

التابعون : مسروق وُرفيْع وسعيد بن المسيّب :

قال الحافظ ابن عبد البر في " جامع بيان العلم وفضله " عن التابعي الجليل مسروق بن الاجدع الهمداني وهو صاحب الصحابي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه (( رحل في حرْف - أي من أجل كلمة واحدة - وأن أبا سعيد - أي الحسن البصري - رحل في حرف أيضا )) وقال عنه الشعبيّ (( ما رأيت أطلب للعلم منه )) .

وذكر الخطيب البغدادي في كتاب الكفاية في علم الرواية عن التابعي الجليل رفيع بن مهران الرياحي البصري المتوفى سنة 93 هجرية (( قال أبو العالية : كنا نسمع الرواية عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بالبصرة فما نرضى حتى نركب الى المدينة فنسمعها منهم )).

وجاء في كتاب البداية والنهاية للحافظ ابن كثير ، من ترجمة عالم المدينة المنورة وسيد التابعين سعيد بن المسيّب المتوفى سنة 94 هجرية رحمه الله تعالى (( قال مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال : كنت أرحل الأيام والليالي في طلب الحديث الواحد )).

صبر العلماء على شدائد العلم والتحصيل

صبر العلماء على شدائد العلم والتحصيل

رد: صبر العلماء على شدائد العلم والتحصيل

رد: صبر العلماء على شدائد العلم والتحصيل

رد: صبر العلماء على شدائد العلم والتحصيل

رد: صبر العلماء على شدائد العلم والتحصيل

روابط مفيدة